لاحظتُ ازدياد موضة إرسال المعايدات الافتراضية للأعيادِ الدينية والوطنية والاجتماعية وأعيادِ الميلاد، قبل وقتها بيوم أو يومين. لدرجةِ أنني أصبحتُ أشُكُّ بذاكرتي، لم أعد أُميّز أيٌّ من الأيام يصادف عيد الأم، وفي أيِّ يومٍ ولدت صديقتي فعلاً!
قبل اختراع العالم الافتراضي وعالم الرسائل النصية التي تُبعث عن طريق الهاتف، الذي لم يكن ذكيًّا بعد، قبل هاتين المرحلتين -كانت الناس مشغولة جدًا بالتحضير للأعياد لكن بهدوء. كنّا نشتري ثيابَ العيد وتَخبزُ أُمي كعكَ العيد قبلَ يوم أو يومين، وأخيرًا يأتي يومُ العيد ونعايد بعضنا. وفي حال كُنتَ تنتمي لأسرةٍ ممتدة – ومن لايتبع لهذهِ الفئة – فقد يأخذ موضوع المعايدة يومان أو ثلاثة! أيضًا، كُنّا ننشغل بالتفكير بهديةِ العيد – أي عيدٍ كان – وننتظر بصبر ثم نقدم التهاني بالعيد مع الهدية.
جاء عصر الرسائل النصية – غير الذكية – وأصبحنا نرسل المعايدة لمن هم بعيدون عنّا بالجسد فقط عبر الرسائل. لكن كنّا نفعل هذا يوم العيد أو المناسبة الخاصة. حتى أنني أذكُرُ يومَ كنّا نَنتظر لتُصبح السّاعة بعدَ منتصف الليل لنتصّل بأحبابنا في بلادنا.
لكن يبدو لي أنه في اليوم الذي تحوّلَ فيه الهاتفُ العاديّ إلى هاتفٍ ذكي، وبدأ الانفجار التكنولوجي وخُلق العالم الافتراضي، بدأ يأخذ من عقل الإنسان ذَكائهِ وذاكرتهِ.
أنا متأكدة أن معظمنا قادرٌ على تذّكر رقمَ بيتِ جدِه الذي حَفظهُ عن ظهرِ قلب عندما كان صغيرًا، وأرقامًا من الماضي. أما اليوم فقد وَضعنا عقلنا في زاويةِ الكسل لنعتمد على الهاتف الذكي الذي اخترعهُ الإنسان!
لكن هل هذا التّطور يبرر تِلك الموضة؟ سألتُ أحدهم يومًا: لِمَ تبعث بالمعايدة بعيد الأم قبل الموعد بيوم؟ جاءني رده مستفزًا، تمنيتُ لو أنه يوجد مخفر للعالم الإفتراضي لأشتكي عليه! قال: أولاً، لا أستطيع الانتظار حتى الغد، وثانيًا، قد أكون مشغولاً غدًا وأنسى!
بالنسبةِ لي، المعايدة الالكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي المبكرة تُخرّب بهجة وفرحة المناسبة، وكما يقول الإنجيل المقدس:”لكلِّ شيءٍ تحتَ السماءِ وقتٌ”!
لا تفسدوا العيد، حتى ولو افتراضيًا، فنحنُ لسنا في سباقٍ مع الزمن!!
コメント