اقتربت الساعة السادسة وبدأت أمي بالتحرك بالبيت بسرعة وتعطي تعليمات أسرع لتتأكد أنَ كل شيء قد أُنجز وأن قائمة الطعام التي حضرتها جاهزة، طبعاً بالتالي هذا يعني أن حركتنا ونحن نقوم بالمساعدة أصبحت أسرع! أحياناً أتسائل لما العجلة وأمي تعلم أن كل شيء حاضر وأنه سيكون شهي كالعادة، لكن هذه عادة عند أمي لن تغيرها. بدأت وفود النساء بالوصول، اليوم وحسب كلام أمي سيكون لدينا عشرون زائرة وهذا في عقلي يعني كمية هائلة من الهرمونات في صالتنا المهيئة لاستقبال أقل من هذه الطاقة بكثير، لكن طبعاً عند أمي كل شيء له حل! جلسنا مع أول سيدتين حيث أن البقية تأخروا كالعادة حوالي النصف ساعة ولست أعلم لمَ أتاني شعورٌ بأن هذه النصف ساعة ستكون آخر هدوء… ما قبل العاصفة! أسمع أصواتهن عند مدخل المبنى وقد بدأن يطلقن تعليقات على الأدراج التي ستوصلهن إلى بيتنا! لتصل إلى بيتنا عليك أن تصعد أربعة أدراج صغيرة -في نظري أكيد- وهذا يعطينا بعض الوقت لنتهيأ للقادمين. صارت الأصوات أعلى وكأن العدد في ازدياد، وصلت أول سيدة وهي أكبرهن سناً وقد بدت على وجهها معالم الغضب منا ومن بيتنا لجعلها تصعد تلك الأدراج لكنها قالت بفخر: هل رأيتم أنا أنشطهن جميعاً رغم سني، قالت هذا وهي تلتقط آخر نفس وأنا أفكر أننا قد نضطر لطلب الإسعاف لهذه السيدة!! بعد هذا لم أعد أعلم من أتى ومن وصل أولاً لان موجة الأصوات ملئت المنزل وبما أن أمي كانت تستقبل الزوار بابتسامة وفرح، كنت أنا الحمّال فقد وقفت على جنب ولا أعلم لما أتفق الجميع دون أن يتفقوا على رمي الأكياس وصحون الطعام والحلويات التي صنعنها بفخر بمحاولة منهن لإفراغ أيديهن للسلام على أمي وبالتالي ألقوا بحملهن علي! كل ما أعرفه أن الأوامر كانت تأتي متسارعة: خدي هذا حبيبتي.. ضعي هذا في الثلاجة.. فوراً! هذا يحتاج تقطيع.. لا تلمسيه! لكن ولا واحدة تذكرت أن تقول مرحباً! هل هذا لأنني كنت أقف بجانب الخادمة التي ياحرام تفاجئت بالوفود وبمنظري وأنا أضيع تحت الأكياس! بدأنا نرتب الأغراض في المطبخ وأمي جلست مع ضيفاتها وقد رأيت كم هي محبوبة بين هذه المجموعة وطبعا بما أن أمي تحب أن تستقبل الأصدقاء والمقربين في المنزل وتقدم لهم ضيافتنا المعهودة، فقد كانت بكامل نشاطها وأناقتها. قررت أن أدخل إلى الصالة لأسلم على السيدات بعد أن قاموا برمي أغراضهن في وجهي، لكن معليش كرمال ماما! هل تعرفوا هذا الشعور عندما تكون بعيد عن مصدر الضجة وتبدأ بالإقتراب ويبدأ الصوت بالإرتفاع! هذا كان وضعي، وصرت قدم للأمام وأخرى للخلف ولأول مرة أصبت بالهلع من تلك الضجة النسائية لكنني رسمت إبتسامة وعزمت على المضي قدماً ودخلت الصالة! لست أعلم من أين أتت هذه العادة عند البعض بمسك الوجه ووضع الايدي على الشعر وكأنك سجلت هدفاً للتو وتمر على فريقك للتحية والتشجيع! مررت بين السيدات بعضهن يعرفنني من قبل فقاموا بتقبيلي وإعطاء بعض التعليقات على وزني وشعري وجمالي، وبعضهن لم أراهم من قبل وهم من قاموا بحركات التشجيع التي ذكرتها سابقاً وعصر خدّي والتعليق على أنني أشبه أمك وما شاء الله وما ألذك ..و .. و .. شعرت أنني دخلت في معركة من القبلات والتعليقات وخرجت منها وأنا أنظر إلى الخادمة التي كانت تضحك على المشهد! بدأت أمي بأخذ طلبات الشرب وأنا والخادمة ننفذ، لم يكن لدينا خادمة من قبل لكننا اضطررنا للاستعانة بهذه الانسانة لمساعدتنا ويبدو أن هذه المُساعدة لم تعيش هذه التجربة من قبل أو أنها خلقت بعقل محدود لأنني أضطررت لإعادة الشرح مرتين على الأقل حتى تتحرك بنفس سرعتي، لكن بسيطة أفضل من لا شيء! كان كل شيء جاهز إلا طلبية كانت من مسؤولية أختي الصغرى، فجأة فُتح باب المنزل ورأيت أربعة علب كرتون مليئة ب “اللحمة بعجين” وأختي أو ما تبقى من أختي خلفها بعد أن صارعت الأدراج وحدها مع هذا الحِمل، وهرعنا لمساعدتها لتتفاجئ بمشهد السيدات اللواتي سكتن فجأة عندما فُتح الباب حتى رأوا وجه أختي وشعرها القصير جداً جداً الذي كان كافياً لتعود موجة الصوت المرتفع واضطرت أن تعيد نفس الكرّة من السلام والتعليقات وعصر الخدين ووضع اليد على الشعر، سمعت إحدى السيدات تقول لأختي: ديمي مور! وأخرى: شو طلبوكي على العسكرية! وأختي تضحك بمرح وكأنها أدخلت هدف أيضاً والجميع يتهافت عليها ليشجعها! وجه أختي الذي مثل القمر أعطاهم سبباً آخر لقبلات إضافية وفي النهاية إستطاعت الوصول إلى مخبئنا في المطبخ لكن هذه المرة كنت أنا والخادمة نضحك على المشهد! مرّ كل شيء على خير وقمنا بتحضير السفرة بخفة رغم وقوف بعض السيدات في الطريق بين المطبخ والطاولة، شعرنا وكأننا نمر بحلبة سباق وقد زرعت فيها معوقات، صديقات أمي، لكن كل شيء كان على أحسن حال. فجأة جاءتنا فكرة جهنمية، دخلنا أنا وأختي إلى غرفتنا ولصقنا رؤسنا للتشاور.. لا حل لدينا غير الهرب، قلبنا يتقطع على أمي لكنها مبسوطة ولم يعد لنا لازمة بعد الآن وسنترك تلك المُساعدة المسكينة لتقوم بعملها. فكرنا لو بقينا أكثر سينتقلون السيدات من مرحلة الخجل منا إلى مرحلة الحشريّة والأسئلة التي لن تعجبنا والأجوبة التي لن تعجبهن طبعاً! فكان القرار النهائي… الهرب! أخذنا حقائب يدنا المعتادة بهدوء ونحن نسمع أصوات بعضهن يسألن أمي: أين البنات، لن يأكلو الحلويات معنا! لكن هذا لم يثنينا عن مخططنا الشرير؛ فتحنا باب الغرفة وركزنا أعيننا على الهدف وهو باب المنزل وشعرت بأنني أسمع موسيقى “المهمة المستحيلة” وبدأنا بالمشي نحو الباب الذي لتصل إليه عليك أن تمرّ بالسيدات! الموضوع أخذ دقيقة بالواقع لكن بصراحة بعقلي أخذ أكثر بكثير، نظرات كانت بعضها تقول: هل سيتركون أمهم وحيدة! لوين رايحين! ألسنا قد المقام! هذا ما تخيلته لكننا وضعناه خلف ظهرنا ووصلنا إلى الباب وأخيراً تجرأت إحداهن وقالت: والحلويات؟؟ ضحكت وأنا أوزع نظرات بريئة وقلت: هذه لكم، صحة وعافية! ضحكت أمي وهممنا بالركض على الأدراج حتى لا نترك المجال لسؤال آخر، نجحت عملية الهرب ونجحت زيارة السيدات لأمي التي بدت سعيدة لدى عودتنا بعد ساعات!
جَمعة نساء
Updated: Nov 8, 2020
Comments