top of page

كَيفَ أكتُب؟

  • Feb 5, 2014
  • 3 min read

Updated: Nov 8, 2020

مُنذُ فترة كنتُ أتحدّثُ مع صديقةٍ تقرأُ كتاباتي المتواضعة، وكانت تعبّر لي عن إعجابها بمقالاتٍ وقصصٍ سابقة. ثمَّ سألتني، كيف تَكتبين… أعني كيفَ تأتيكِ تلكَ الأفكار؟ صمتُّ للحظةٍ وأنا أفكّرُ في سؤالها بإبتسامةٍ مخبئة! أما سَببُ إبتسامتي فكانَ ذكرياتٍ تراكمت على عقليَ في لحظة!

عندما كُنتُ صغيرة، وفي بيتنا المتواضعِ في دمشق، وتحديدًا في أيامِ الصيفِ، كنّا نأخذُ فِراشَنا ونمِدّهُ في فسحة المنزلِ المفتوحةِ على السماء. كان الصيف حارًا في دمشق لكن في الليل كانَ النّوم في الأماكنِ المفتوحةِ هو مَهربُنا من حرِّ الغُرف – هذا قبل معرفتنا بمُكيفاتِ الهواء- وبالنسبة لنا نحنُ الصّغار، هذه كانت مُتعتنا. ففي الليل، كان يُسمح لنا بالسهرِ لوقتٍ لا بأسَ بهِ، وطبعًا كنّا أنا وأختي وأخي – قبلَ أن تأتينا قَمرُ البيتِ أُختنا الصغرى- كُنّا نَخترعُ لُعبًا لنتسلى. إحدى اللُّعبِ هي أن نَضع المخداتِ فوقَ بعضها ونركضَ لنقفز  في حركاتِ جُنبازٍ متخيلينَ أنفسنا أبطالِ العالم، وبما أنني كنتُ الأقصر، لطالما كنتُ أقلبُ على الأطرافِ ولا أقوى على القفزِ بدورةٍ كاملةٍ كتوأمي وأخي الأكبر. لعبةٌ أُخرى كنا نُحبها كثيرًِا، وهي مرتبطةٌ بضوءِ الشمعةِ عندما تنقطعُ الكهرباء ليلًا – وما اكثر ما لعبنا هذه اللعبة – لُعبة الأصابِع والخيالات. كانت أمي تُعلّمنا كيف نَصنع نسرًا، وأرنبًا، وكلبًا باستخدام خيال أصابعنا في ضوءِ الشمعةِ أو السراج، وتُخبِرنا قِصصًا مُشوّقة جدًا، بينما كنّا ننتظرُ عودةَ والدي من عملهِ في التحضيرِ لمعرض دِمشق الدولي.

وفي الصباح، كنتُ أوّلَ المستيقظين بعدَ أمي وأبي  على أغاني فيروز مختلطةً ببعضِ الأحاديثِ بينَ أهلي ورائحةِ القهوةِ العربيةِ الممزوجةِ برائحةِ سيجارةِ والدي. كنتُ أسمع تقريبًا نفس الأغاني الصباحية من المذياع …. صباحِ الفُلَّ ياسيد الكُل، صباحِ الفُلّ يا فُلّ يا فُلّ… وياحلوِ صَبَّح ياحِلوِ طُلّ …..بالإضافة لأغاني فيروز  كان هذا المَشهدُ يَمتَزجُ بِخليطٍ ليصنعَ الصباحَ الشاميَ في ذاكرتي.

في صباحٍ من صباحاتِ الصيف، استيقظتُ “جوعانة حكي”، كما كانت تقولُ أمي! كنتُ قد رأيتُ حلمًا ولم أستطع الإنتظارَ حتى يستيقظَ الكلُّ لأخبرهم بحُلمي. قالت أمي، عليكِ أن تنتظري ليستيقظَ الجميع، وهذا كانَ بمثابةِ عقابٍ لي لأنهُ يعني أن أنتظرَ لساعاتٍ وساعات حتى تستيقظَ أختي التي لم تكن تستيقظ قبل أن تحرقَ الشمسَ وجهها!

المهم أنني كبتُّ نفسي، وعانيت من الإنفجار المحتمل حتى استيقظت أختي المسكينة، وفي اللحظةِ التي فَتحت فيها عيناها وجدَتني أمامها أقول: صباح الخير… هيّا بسرعة بسرعة أريدُ أن أخبركم بِحُلمي وأمي قالت لن نبدأ بدونكِ.. هيّا هيّا!

تَجمّع الكُل في فترةٍ صباحيةٍ ثانية على شرف حُلمي، أبي يشربُ القهوة من جديد، وأمي تشربُ المتة، وأنا وأخوتي نَستمتعُ بالحليبِ مع الكاكاو (ميلو)، والجميعُ ينتظر أن أبدأ.

أخذتُ نفسًا عميقًا وبدأتُ بقَصِّ حُلمٍي الذي أخذَ الليل كُلّهُ، وأخذَ مني الصباحَ وفترةَ الفطورِ وبعضًا من الظُّهر حتى انتهيتُ مِنه. طبعًا في تلك الأثناء أكلنا طعامَ الفطورِ، وشَربنا الشاي وذَهبَ والدي إلى العمل ونَظّفت أمي الصحون وبَدأت بتحضّيرِ الغداء، ولا يزال أخوتي المساكين ينصتونَ إلى حُلمي!

في النهاية، وحتى أتوقف عن الحديث، اضطرت أمي التي انتفخَ رأسها من كلامي المتواصل أن تُفاجئني بمعلومةٍ لم أصدقها أبدًا حتى وصلتُ إلى المرحلةِ الإعدادية، قالت: الحلم يا ماما يمتدُّ لثوانٍ فقط، إرحمينا!!

لا أُخفي عليكم أنها لم تَكن المرّةُ الأولى ولا الأخيرة التي يُضطرُّ بها الجميع لسماعِ أحلامي، وطبعًا القِصّةَ المشهورةَ عني، عندما قال لي والديَّ أنني إن سكتُّ لمدةِ خمسةِ دقائق سيعطونَني خمسةَ ليرات! وفي أيامنا بالخمسةِ ليراتٍ يُمكنني أن أشتري من دُكّانةِ أبو مروان علكة، وكازوزة، وبسكوتة الأمير، وسميري (إم أند إمز)، وبِالرغمِ من ذلك وعند الدقيقةِ الثالثة، تَخليتُ عن كلِّ تلكَ المغريات مقابلَ أن أروي قصةً جديدة!

واليوم، لا أزالُ أُخبرُ قصصي وأحلاميَ المتواضعة، لكنَّ الفرقَ أنَّ شريحةَ المستمعينَ كَبُرت لتصلَ إلي قُرّائي الجدد من كلِّ مكان. وبالرغمِ من هذا، لا يزال أهلي يضطرون للإستماع إليَّ وأسألهم عن رأيهم بقصصي ومقالاتي، بالنهاية هم من عانوا من الإستماع لي لساعات وساعات ولن يقيّمَ أحدٌ كتاباتي أفضلَ منهم.

أما ردّي على سؤالِ الصديقةِ فقد كان… مُنذ الصغر وأنا أحبُّ حكايةَ القصصِ وهكذا تطورت موهِبتي لكتابتها!

بعد أن قرأتُ هذه القصة أمام أمي اليوم، سألتني مستغربة: عن جد؟ ما هذا الحُلم الذي يأخذ ساعات وساعات؟ لمعت عيناي من جديد وقُلت لها: هل تريدين أن أقصه عليكِ؟ …لم أنتبه إلا وأمي غارقة في النوم، ولم ينتهِ حُلمي بعد!

*بعد أن أُحمّل هذه القصة، سأتصل بكلِّ فردٍ من عائلتي لأتأكد من قرائتهم لها، وإلّا سيضطروا لسماعِ النُسخة المُطولةِ منها!!


Comments


Contact Marcelle

Toronto, ON, Canada
مارسيل.png

 I got your message! 

Subscribe to receive newsletters and email updates

Thanks for joining!

@ 2021 Marcelle Aleid - مارسيل العيد     By Procasy Creative inc.

bottom of page