top of page

مذكرات مسيحية في رمضان

Updated: Nov 8, 2020

تقول أمي، يفضّل ألا نذهب للتسوق يومين قبل بدء شهر رمضان، لكننا لانعلم متى يبدأ، لذا قررنا أن نشتري مستلزمات المطبخ أربعة أيام قبل الوقت المتوقع لشهر رمضان.

السبب بالطبع واضح، إخوتنا المسلمون ينتظرون لحظة إعلان بدء الصيام ليتوجهوا إلى الأسواق لشراء ما يلزم للسحور والإفطار وتوابعهم. لن أتحدث عن الزحمة في الطرقات أو الأسواق، فهذا شيء طبيعي ويضفي جو من الحياة الليلية، التي لا نراها عادة. لكنني سأتحدث عن مذكراتي كمسيحية في أول يوم للصيام!

يبدأ النهار وبيدي فنجان القهوة الذي أعدّه دائما قبل الذهاب إلى العمل، أركب سيارتي وأدير المسجّل لأستمع إلى الرائعة فيروز، هكذا يحلو لي الصباح. عند الإشارة الحمراء، أقف وأحتسي رشفة من قهوتي لأجد السائق الذي بجانبي يصرخ بي، يبدو لي أنه غلضب! أفتح نافذة سيارتي لأفهم مالذي يزعجه: الدنيا صيام، الله يهديكِ ويهدينا! علق الرّجل. فزعت فجأة، وتذكرت أن الصيام قد بدأ، صحيح أنا مسيحية، لكن أولا، ممنوع الأكل والشرب في الأماكن العامة خلال فترة الصيام بغض النظر عن خلفيتك الدينية، وثانيا إحترام للصائمين – يالغبائي!

أعتذر من الرجل وأتمنى له رمضان كريم، لكنه يغلق نافذة سيارته محتجاً.

أصل إلى المكتب، الجميع في حالة صمت رهيبة، أقطع الصمت بتحية الصباح المعتادة وأتمنى للجميع رمضان كريم. يأتي الرد من البعض أما الباقون فهم في حالة صمت وذهول، في أول يوم لرمضان. في هذا اليوم، يكون الكلام ممنوع باتفاق ضمني غير معلن. أنسحب إلى مكتبي في محاولة لمجاراة الوضع الراهن.

في فترة الإستراحة، يتجه غير الصائمين إلى غرفة المطبخ، التي عادة لا يزورها أحد، هي بمثابة المكتب الخاص لعامل القهوة، مملكته التي يتربع على عرشهاويحكم بها كما يحلو له، لكنه يأخذ اجازة خلال شهر رمضان، أو يتواجد دائما خارج الغرفة لنستحلها نحن، وبعض السيدات اللواتي -لأسباب معينة- لا يصومون.

وقت المطبخ هو أجمل الأوقات، نتشارك القهوة ونتعرّف على بعضنا أكثر، ونشترك في طعامنا مع بعض ومع زميلاتنا المسلمات اللواتي لم يستطعن جلب الطعام حتى لا يلفتن النظر! نضحك على صغر المكان لكنه لايزال يتسع لنا جميعاً.

تتحول رنات الهواتف النقالة إلى أدعية وصلوات وأصوات الآذان، أمزح مع زملائي في كل مرة يرن هاتف أحدهم بنغمة الآذان قائلة، الآن يمكنكم أن تفطروا فقد سمعنا الآذان! طبعا لا يضحك أحد على مزحتي، وأتابع أنا عملي في محاولة للإختفاء لشهر كامل إن أمكن!

ينتهي الدوام ساعتين قبل الوقت المعتاد، وهذا من الأمور التي أقدّرها جدًا. لكنني تعلمت درساً مهماً من رمضان الماضي وهو ألاّ أترك العمل إلا بعد أن يذهب الجميع بساعة على الأقل، السبب هو أن المدينة بأكملها تخرج من العمل في الوقت ذاته. السنة الفائتة خرجت مع الجميع، وعلقت في زحمة سير خانقة مليئة بشحنات الغضب والتذمر والعطش، وقد ينام بعض السائقين من التعب! ويعاني رجال الشرطة الأمرّين ليضبطوا الوضع. لذا لن أخرج.

بينما يستعد الجميع للخروج، أسمع نفس التعليق تقريبا من الزملاء المارّين بجنب مكتبي: طبعًا أنتِ لا يجب أن تخرجي مثلنا، فأنتِ لستِ صائمة! أبتسم على ما أعتبره دعابة رمضانية جافة، سعيدة بأن أحدهم على الأقل نطق ووجه لي الكلام في جو المكتب الغائم.

في طريقي  إلى المنزل تكون خنقة المرور قد تلاشت، وأرى آثارها على الطريق، حادث أو أكثر في كل منطقة. يصاب الجميع بجنون السرعة حيث الجميع يريد أن يصل بلحظة إلى منزله، والحرّ لا يرحم والعطش كافر!

طبعًا، لا أجد مكان أركن فيه سيارتي. قد يدوم البحث لوقت طويل ويصل إلى ساعة أحيانًا. أفكّر بالذهاب إلى محل القطايف لأشتري قشدة وقطايف، فهذه من الحلويات المميزة والضرورية خلال شهر رمضان. أصل إلى المحل، أطلب أن أتذوق القشدة لأتأكد أنها طازجة، يرميني البائع بنظرة تخترقني وكأنها تقول: يا فاطرة يا فاطرة! آخذ القطايف والقشدة وأتكل على الله.

نبدأ بتناول وجبة الغداء فور وصولي إلى المنزل. ويحدث في رمضان أن نجتمع على المائدة أكثر وذلك لاستطاعتنا ان نتواجد في المنزل في وقت الغدا عوضاً عن تناوله في العمل، وكونه أيضاً الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله في المدينة حتى ساعة الإفطار.  نستمتع بوجبات أمي ونأخذ راحة من المطاعم والمأكولات الجاهزة التي نضطر على شرائها أحيانًا. يتحدث كلٌّ عن مغامرة أول يوم صيام، البعض مصدوم بزملاء قرروا عدم التحدث معه لأنه “نصراني” أو غير محجب، والبعض مرّ يومه بلا مشاجرات ونقاش لأن الجميع يريد أن يخبئ طاقته، ويتذمر البعض من زحمة الطريق الخانقة التي كانت من نصيبه. في نهاية الوجبة تقدّم لنا أمي القطايف المحشية بالجوز واللوز والتمر والقشدة التي عرفنا أنها طازجة بعد شرائها! أخي يعتقد أنه لا يمكن أن يمرّ رمضان بلا قطايف!

يبدأ مشوار مسلسلات رمضان الذي لطالما رفضت المشاركة به، أذهب إلى غرفة النوم لأخذ قيلولة حُرمت لذتها باقي شهور السنة. بعد ساعة ينطلق صوت الآذان وأبتسم وأنا أتخيل كيف  يتسابق أصدقائي للوصول إلى سفرة الإفطار في سباق مع الزمن ومعاناتهم من التخمة في منتصف الطريق لصغر حجم معدتهم الجائعة، وهكذا يجلس الجميع لمتابعة التلفاز على أمل حصول سحر أو أُعجوبة ما تهضم الطعام!

أنظر إلى لائحة العزومات التي قدمها لي أصدقائي، وأخبر والدتي بالأيام التي سأشارك أحبائي بإفطارهم أو سحورهم – بالنسبة لي السحور كان عقابي لأنه يحدث في وقت متأخر من الليل!

في المساء، وهو بداية اليوم الحقيقية للجميع، أجتمع مع أصدقائي في قهوة رمضانية، على طاولة باهظة الثمن، ونطلب طلبات باهظة الثمن، ونستمتع بنغمات العود بينما يلعب البعض لعبة الزهر، ويتحدث الجميع عن تعب اليوم الأول وعن إفطارهم فيشعروني بالجوع وأقول: طبعا ياعمي، الشبعان مو متل الجوعان!

*من ذكريات رمضان في أبوظبي*


7 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page