“على كل حال، المسيحيين العرب لطالما كانوا في موقف سلبي مما يحدث في الوطن العربي” جاء هذا التعليق بعد نقاش حول الأقليات وموقفها في محاولة لوضع نهاية للنقاش دار بيني وبين الآخر
هذه المعلومة بالطبع خاطئة وهي فقط للتهرب من نقاش أصبح عقيماً. إذاً، لِمَ لا نرى تحركاً مسيحياً عربياً للاعتراض على تفجير أو تعذيب أو غيره؟
في البداية سأعود للتاريخ وأتحدث عن الحملات الصليبية التي لطالما يعيرنا بها البعض، هذه الحملات حاربها ليس فقط المسلمون في سوريا بل أيضا المسيحيون، ببساطة المقاومة كانت شعبية بعيدة عن أية صبغة دينية. قُتل من السوريين المسيحيين كما قُتل من المسلمين. الفرق الوحيد بأن التعداد في تلك الأيام لم يهتم لخلفية الشهيد، لم ينظر إلى القلادة التي يلبسها، كان الشهيد فقط سورياً!
مرت السنوات وقاتل السوريون من جديد ضد العثمانيين بغض النظر عن كونهم مسلمين أو مسيحيين أويهود، ثم قاتلوا الاحتلال البريطاني والفرنسي، أيضا قُتِل الكثير من السوريون فقط.
إذاً، مالذي يجعل مسيحيّي الشرق الأوسط في موقف المتفرج في هذه المرحلة الزمنية؟
سأسرد أمامكم بعض الحقائق التي حصلت بتدوين أهل المدن التي تمت الحادثة فيها وليس بتدوين رسمي.
في عام ٢٠٠٤م قامت مجموعات كردية بالهجوم على قرى مسيحية في الشمال السوري وتحديداً مدينة ديريك، نهبوا خيرها وعاثوا خراباً بها وتحولت إلى قرى كردية. لم يتدخل أحد عندما أحرقوا المكتبة العريقة في المالكية التي تحمل تاريخاً سورياً عريقاً. اكتفوا فقط بالنظر إلى ألسنة اللهب تأتي على مافيها! قال البعض أنه كان هجوماً ضد النظام، لم يكن أحد يعلم بأن النظام يسكن أيضا في الكنائس والمدارس المسيحية. كان بالطبع هذا هو الغطاء العام لكنها كانت حركة ترحيل وتهجير لمسيحية الشمال السوري بكل بساطة. ياترى كيف يشعر أهل تلك المنطقة في ظل الأحداث التي تحصل الآن في الشمال السوري ضد الجميع وتحديداً ضد الأكراد والمسلمين؟ لا أحد يودّ التدخل من القرى المسيحية، لم يمرّ الوقت الكافي لينسوا ماحصل!
هذه الأماكن هي الآن في وضع مزري حيث تم تهجير المسيحيين السوريين من قراهم بسبب المعارك التي تدور بين الأكراد وجبهة النصرة!
هناك الكثير من الأحداث والمجازر التي حدثت ولم يتدخل أحد في حراك جماهيري عام. قد يقول البعض أن أحداث الموصل الأخيرة ووضع حرف النون على بيوت المسيحيين وتهجيرهم كانت أقوى من أن يتدخل الجيران. ممكن لكن هكذا كانت الحروب الصليبية أيضاً!
في كتاب الهويات القاتلة لأمين معلوف، يشرح بطريقة عبقرية كيف يشعر العربي المسيحي، وماهي هويته بالفعل وسط هذا التزاحم على طبيعة هويته من جميع الأطراف العربية لكونه مسيحي والغربية لكونه عربي!
يقول ” منذ أن غادرت لبنان للاستقرار في فرنسا، كم من مرة سألني البعض عن طيب نية إن كنت أشعر بنفسي فرنسياً أم لبنانياً. وكنت أجيب سائلي على الدوام “هذا وذاك” لا حرصا مني على التوازن والعدل بل لأنني سأكون كاذباً لو قلت غير ذلك. فما يحدد كياني وليس كيان شخص آخر هو أنني أقف على مفترق بين بلدين ولغتين أو ثلاث لغات، ومجموعة من التقاليد الثقافية. وهذا بالضبط ما يحدد هويتي.”
وهكذا يجد المسيحي العربي نفسه يكافح لينزح أو يهاجر إلى بلد لا تسأله عن إنتمائه الطائفي، ولن تعامل أطفاله كأقلية ولن يضطر أن يشرح كلمة “كافر أو نصراني” لأطفاله الذين لا يزالون يبحثون عن هويتهم العربية الضائعة!
في النهاية، الوطن للجميع والدين لله، وإن التزم الجميع بهذه المقولة سيكون لدينا أوطان لا تميزك بالقلادة التي تلبسها أو الغطاء الذي يغطي رأسك.
المشكلة التي نواجهها الآن في سوريا أن الحرب تٌُدار من قبل قوى عالمية وداخلية لكن على أرض الواقع، هناك حرب تصفية تدور بين السنة والشيعة وهذه ليست حرب من أجل وطن بل هي تخلف طائفي موجّه.
لكن إن كانت الحرب من أجل وطن أفضل يتسع للجميع، لن يستغرب أحد “الموقف المسيحي” لأنه لن يكون سلبياً حيث لن نضطر أصلا لاستخدام هذا التعبير.
الدين لله والوطن للجميع!
Kommentare