أنظري… إنها تحدثهم من جديد.
قالت الأم وهي تنظر بعينيها نحو ابنتها، كانت نظرة ارتياب وخوف. لم تكن تدري ما الذي عليها فعله، ولم تكن تعلم إن كان عليها أن ترتعب أم لا!
بدأ هذا الموضوع منذ فترة قصيرة، لم يكن يستدعي اهتمامها لأنه لم يكن واضحًا كما قالت. لكن مؤخرًا بأتت تنتبه لهذه العادة الجديدة!
“من تُكلّم برأيك؟” سألت الأم وهي لا تزال تراقب ابنتها.
كنتُ أجد تلك الحيرة مبررة بعض الشيء، وأيضًا أجد كلام الطفلة معهم مبررٌ أيضًا أو لا يدعو للقلق!
“لِمَ تبتسمين!” جائني سؤال الأم ليسحبني من ذكرياتي ويعيدني إلى أرض الواقع. ابتسمت بالفعل واعتذرت عن شرودي. لم أكن أعلم إن أنا أخبرتها عن سبب ابتسامتي الحقيقي، هل ستذعر؟
أنا أعرف تمامًا من هم الذين تكلمهم إبنتها، فهؤلاء كانوا أصدقائي في يوم من الأيام، كنت أحدثهم أيضًا وأبحث معهم عن ما يدور في فكري. الفرق الوحيد هو أن ابنتها تتحدث معهم أمامنا… أو لا تدرك وجودنا لذا تتحدث معهم!
لست أعلم إن كان لكل طفل أصدقاء خياليين، لكنني أعلم أن نسبة كبيرة من الأطفال لديهم هذا النوع من الأصدقاء. لا يراهم أحد، ولا حتى الأطفال أنفسهم، لكن ولأسباب مختلفة يكوّنهم العقل الباطني ليراهم الطفل ويصبحون الأصدقاء المقربين. البعض يُكوّن هذه الصداقات ليملئ فراغًا في حياته بسبب بُعد الأهل أو انشغالهم، والبعض في مرحلة ما يمرُّ في اضطراب داخل المنزل أو خارجه لكنه لا يجد من يكلمه، أو من يثق به ليخبره عن ما يدور في حياته! والبعض الآخر يتخيلهم لأن له خيال خصب لا يَسَعهُ العالم الحقيقي فينقله إلى عالم الخيال.
معظم الأطفال يبدأون باستبدال هؤلاء الأصدقاء الخياليين بأصدقاء حقيقيين. البعض يستدرك أهله هذا الوضع ويعطونه اهتمام أكبر فيصبح وجود هؤلاء الأصدقاء الخياليين أقل في حياته. مع الوقت يصبح الكلام معهم أقل، وقد يعودون لحياة الطفل حين يكبر فقط في حال تم استدعائهم من قِبله، والسبب هو: الإشتياق لأصدقاء كانوا يومًا أوفياء حتى لو أنهم خياليين!
عُدتُ بابتسامتي إلى الأم محاولًة طمئنتها وقلت: في الماضي، كنتُ مثل ابنتكِ! فإن كنتِ ترينني غريبة الأطوار إذًا عليك أن تخافي وترتعبي عليها.
رأيتُ نظرة رعب مبدئية من الأم أربكتني، وحاولت الإستيعاب وقد سُحبَ اللون تمامًا من وجهها. كنتُ أعلم أنها تحاول أن تسترجع كلّ تصرفاتي وأحاديثي وتربطها بكلامي وهي تهزُّ برأسها، أما عيناها فقد سافرتا بعيدًا!
آحرجني هذا الصمت وتمنيت لو يرن الهاتف أو يدق جرس الباب أو أي شيء! لكن لحظات الصمت تلك استمرت، ووجدتني أنفجر من الضحك وسط استغراب الأم واعتذارها لذلك الصمت.
قالت، وقد تلوّن وجهها بالحمرة من الإحراج: هل لا زلتِ تتحدثين معهم؟
قلتُ لأُريحها: كلا.
أما الحقيقة فلن يعلم بها يومًا أحدٌ غيري أنا…….. وغيرَ أصدقائي الخياليين!!
Comments