top of page

ممنوع الإزعاج

لطالما أزعجني قانون السفارات في منع دخول الهواتف المتحركة للمراجعين وأخذها عند المدخل وكنت أشعر أنه من غير العدل لأنني قد انتظر لساعات وبالتالي قد أضطر لإجراء مكالمات مستعجلة أو أرد على بريد إلكتروني مستعجل خاصة مع إمكانية انتظاري لوقت طويل! هذا الشعور بعدم المساواة والتمييز وغيره تغيّر تماماً اليوم، هناك بعض الأشخاص ممن لديهم القدرة على جعلك تراجع أفكارك كلياً. اليوم كنت أجلس في قاعة الإنتظار في أحد البنوك، أنتظر دوري الذي بدى لي طويلاً جداً وقد جلس بجانبي رجلٌ متوسط الطول نوعاً ما ومن الأشخاص الذين تشعر وكأنهم مربوطين ببطارية طوال الوقت، هذا الرجل لم يتوقف هاتفه المتحرك عن الرنين ولم يتوقف هو عن الكلام! كان لهاتفه نغمة مميزة ومزعجة جداً ولو أنه وضع الهاتف على وضعية الصامت أو الهزاز لكان وفّر علينا نصف المشقة، أما النصف الآخر فهو صوته الذي كان يرن في الصالة وكأنه يجلس مرتاحاً في منزله!! ببساطة تمكنا وبدون إرادتنا أو قصدنا من معرفة أين يعمل وماهي مشاكل زبائنه وكيف حلها جميعا لأنه “الواد اللهلوب” كما يقولون إخوتنا المصريين، وأيضاً عرفنا أين سيقضي عطلته الصيفية بعد جدال واضح مع زوجته!! بدأ الدم يغلي في عروقي بعد إنتظار وبعد أن أعطاه الجميع نظرات الإنزعاج وقمت بالسعال المصطنع وعندي أمل أن يفهم لكن لا فائدة! شعرت بأنني سأتوجه نحوه وآخذ منه هاتفه المتحرك الممزوج بعرقه ولعابه وأُخرج منه البطارية -كما يفعلون في الأفلام- وأكسره وأرميه في القمامة وثم أضع شريطاً لاصقاً على فمه وأجلب لوحاً مدرسياً أبيض وأعلمه درس اليوم: ممنوع الإزعاج! وفجأة استيقظت من حلم اليقظة على صوت رنين هاتفه المتحرك وقد تدفق الدم إلى رأسي ووجدت نفسي أنقره على كتفه وهو يكلم “المدام” وقلت: يا أستاذ هل تسمح. نظر إليّ وكأنه يلاحظ وجودي للمرة الأولى، قلت: لو تكرمت بدأ رأسنا يؤلمنا من مكالماتك التي يبدو أنها مهمة لكن قد تستطيع أن تخفض صوتك أو تضع هاتفك على الصامت؟ لست أعلم من أين أتى كل هذا الأدب، لكنه عاد إلى هاتفه وقال: سأكلمك بعد ثوانٍ، وهو ينظر نحوي بنظرة استهزاء ويبدو أنه سيبدأبلفظ كلمات لن تعجبني وقد تلوّن وجهه بالأحمر وتهيأ لي أنني أرى دقات قلبه المتسارعة والإدرينالين يُضخ في جسده النحيل… وفجاءة جاء موظف البنك ونادى بإسمٍ وقد كان إسمه وأسعف الموقف، فحمل أغراضه وذهب. نعم، أنا الآن أؤيد بشدة جميع إشارات “ممنوع الهاتف” و “ممنوع الإزعاج” وسأكون أول الشاكرين لمن يأخذ هاتفي المتحرك في أي مكان عام!

0 views0 comments

Recent Posts

See All

Commentaires


bottom of page