top of page

الأربعون حرامي

تذكرت قصة “علي بابا والأربعون حرامي” عند دخول هؤلاء الغرباء إلى مدينتنا! سمعت أشياء رهيبة عنهم ولم يمض وقت إلا ووصَلنا إشعار كما وصل إلى جيراننا. لمحتهم مرة، كانوا يرتدون الثياب السوداء من رأسهم حتى أحذيتهم وكانوا ملثمين تماما، كالأربعين حرامي في القصة مع أن عددهم كان أكثر بكثير!

ركضت إلى غرفتي، وبدأت بجمع أغراضي الثمينة. أخذت لعبتي وعلبة ألواني وقصتي المفضلة وكتابي المقدس، وأخفيتهم جميعًا داخل صندوقي الصغير. نظرت من النافذة، لم يصلوا بعد.

كانت أمي تبكي وهي تجمع حاجاتنا ومقتنياتنا الثمينة، التي أكدّ عليها والدي بأن تكون خفيفة وذات قيمة. أما والدي، فقد كان يضرب كفية ببعضهما بحسرة حابسًا دموعه وهو يقول: “عليك العوض يارب … عليك اتكالنا يارب”

تستمر والدتي في الركض بين الغرف تلم الأغراض ويساعدها والدي، أما أنا فحملت صندوقي الثمين وركضت إلى حوش المنزل. منزلنا هذا بناه والدي بعد سنوات من العيش بالإيجار، هو متوسط الحجم، يحتوي على أربعة غرف نوم وصالة ومطبخ كبير حتى تستمتع أمي بالطبخ بعد عناء سنين في مطبخ صغير. كانت أول وليمة تطبخها والدتي لافتتاح مطبخها الكبير هي الكُبّة الموصلية والدُولمة، وصدوقوني لا يوجد في العالم أبرع من والدتي في تحضيرها فهي تحضرها بحب. كانت تلك الأطباق ضمن وليمة كبيرة لتدشين المنزل، حيث دعى والدي الكاهن وكبار الحي، وقام بذبح خاروف على باب المنزل حسب العادات. أما الكاهن فقد مرَّ بجميع غرف المنزل ومعه البخور مرددًا صلوات وتراتيل وخلفه يمشي المدعوون ويرددون: “آمين … آمين”. كان يومٌ لا يُنسى، الكثير من الطعام والضحكات، ودموع والدتي، والزغاريد والرقص والغناء، والكثير من الحلويات، التي مرضت بعد أن التهمت كميات كبيرة منها!

وصلت إلى زاوية الحوش الشمالية وبدأت بالحفر، بينما لاتزال أمي تبكي وهي تجمع أغراضنا وتقول: “كيف نهجر بيتنا، تعب حياتنا، وأرضنا وأشجارنا… كيف ياربي كيف! سمعت والدي يصرخ وهو يحاول أن يكتم هذا الصراخ: أصمتي يا امرأة! سيقتلوننا .. سيقتلوننا جميعًا أمام أعين بعضنا، وعلى مرأى من الجميع! هذه فقط أشياء، الرب الذي أعطانا هذا المنزل، سيعوضنا. فلنرحل قبل أن يصلوا!

كنت أعلم أن والدي سينهار في أي لحظة، ففي هذا المنزل وضع دمَّ قلبه، وفي هذه المدينة عاش أجداده. لكنه فضّل أن يُبقي على دمائنا مقابل كل شيء!

أنهيت حفرتي في الأرض، ووضعت الصندوق وثبته بإحكام وأنا أحاول النظر من خلف سيل الدموع التي انهمرت. ضغطه جيدًا وطبعت قبلة الوداع على سطحه قبل أن أعيد التراب فوقه لأطمره جيدًا. تقول القصة أن الأربعون حرامي ذهبوا إلى المدينة وسرقوا ذهب أهلها ومجوهراتهم وخبؤوها في تلك المغارة السحرية. وهؤولاء الغرباء يشبهونهم جدًا، جاؤوا من حيث لا ندري، وسرقوا خير مدينتنا، وقتلوا الكثير من أهلها، وسلبوا الكثير من رزقها، وأخبروا جميع الذين مثلنا بأمر الإخلاء ضمن مهلة محددة لنغادر أرضنا!

ركضت إلى أمي التي أصبح أنفها أحمر كالرمان، وعينيها متورمتان كالخوخ، وتحمل بعض الأغراض وهي ترتكز على كتف والدي، الذي كان يحمل باقي الأغراض بوجه سُحبت منه الحياة. نَظرَت والدتي نحوي وقالت بصوت كبرياءٍ يرتجف: “ أنظري جيدًا إلى هذا المنزل، أنظري إلى الزهر والشجر والتراب. إحتفظي بصورة جميلة عن أرضنا وعن مدينتنا، لتبقى في عقلك وقلبك كل يوم…. إلى أن نعود!

2 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page