top of page

الإتصال رقم مليون

بدأ البرنامج المسائي الذي ينتظره يومياً بفارغ الصبر، يجلس متسمراً أمام التلفاز وعلى يمينه جهاز التحكم وعلى يساره هاتفه الخليوي وأمامه علبة السجائر التي بالتأكيد سيحرقها كاملاً كما يحرق أعصابه وأعصاب أهل بيته. يمضي النهار كله يضع استراتيجية لكيفية الإتصار بالوقت الصح، ليس بالوقت المناسب بل الوقت الصح. هو الوحيد الذي يعلم جيداً متى يتصل ويحفظ الرقم عن ظهر قلب. بالنسبة له، هذه ليست لعبة بل هي فرصة ليربح المليون ويعتزل العمل الذي بدأ باعتزاله تدريجياً منذ داوم على هذا البرنامج المسائي.


على طاولة العشاء يجلس الأبناء ويجلس هو على رأس الطاولة، الرأس يعني الكثير له فهذا الكرسي هو الشيء الوحيد الذي يعطيه احساس بالأمان وبمكانته كرأس العائلة. التلفاز ينبح بأخبار محلية وعالمية بصوت يقطع صمت العشاء. يطلب ابنه الأصغر الخبز من أخته،

تقول له فلتجلبه بنفسك،

يقول لها أنا الصبي هنا وأنتِ البنت عليكِ جلب الخبز،

أنا الكبيرة وليس لك سلطة عليّ،

تصيح به والدته وهي لاتزال تحاول أن تزيل هذه الأفكار من تركيبة دماغه الممزوجة بأفكار والدته وأفكار والده والشارع والمجتمع والتلفاز الذي لايزال ينبح بصوت نشاز أحد المذيعين الذّي لايفوّت فرصة دون أن ينشر أفكاره التكفيرية والطائفية على قناة تشبهه تماماً وتُبارك على أفكاره تارة وتلميحاته تارة أخرى. وبين الإبن والإبنة والأم والخبز يتذكر الأب بأنه موجود على الكرسي الموضوع على رأس الطاولة، يصيح بالحضور اللذين يملؤون باقي الكراسي بما فيها الكرسي الذي تشغله شريكة حياته والمربية اللي تدير هذا البيت بعد أن انعطب الرأس. يأتي الصوت أعلى من نباح التلفاز فيفزع الجميع،

أريد التركيز على خطة الليلة أخرسوا ولاطعام لكم اليوم، يقول وهو يلوّح بيديه متوعداً فيضرب كيس الخبز اللذي أراده ابنه وأراد من خلاله لفت انتباهه، لكن الخطة لم تنجح اليوم أيضاً.


يبدأ البرنامج، يبدأ الدخان، يبدأ العد التنازلي وتبدأ الخطة ويملئ المنزل هدوء مريب يخلو من صوت المذيع الجهور والموسيقى المحفّزة للإشتراك والمثيرة للعب. أرقام تذهب وأرقام تُعاد والفرق دائماً هو رقم واحد للوصول إلى طريق المليون.


يبدأ البرنامج المسائي، على يمينه جهاز التحكم وعلى يساره هاتفه الخليوي وأمامه علبة السجائر وركوة القهوة، وخلفه طاولة مستديرة صغيرة مليئة بفواتير الهاتف وكرسي وحيد.

131 views0 comments

Recent Posts

See All

المستقبل

‏ماذا أود أن أكون في المستقبل

bottom of page