top of page

المشهد الثالث

المشهد الأول…

جمهرة كبيرة تتوزع داخل وحول خيمة تصدح منها أصوات صلوات معينة.

يجلس الجميع بهدوء ووقار مطأطئين الرأس، البعض يهمس للغريب أو القريب الذي يجلس بجانبه وذاك يهزّ رأسه موافقًا.

عند المدخل نرى رجالًا يقفون كلما دخل أحدهم أو خرج من الخيمة، شاكرين بحركة من يدهم يضعونها على صدرهم مربتين بامتنان. 

في البيت، وتحديدا في غرفة الضيوف هناك جمهرة أخرى من النساء يلبسن الرداء الموحد اللون. بعض البنات الأصغر سنًا يلبسن اللون الأبيض لكسر اللون الذي تلون به البيت والنساء وقلبها!

توفى زوجك… هكذا جاءها الخبر كالصاعقة على قلبها وروحها، سحب منها النفس ولم تعد تفكر بشيء غير استحالة الحياة من بعده! ولم تعد تفكر إلا بأطفال تركهم القدر يتيمي الأب في عمر لم يزهر بعد.

كيف ستربيهم، كيف ستصرف عليهم، كيف ستستمر حياتها من بعده؟

هكذا فكرت الزوجة القابعة وسط تلك الجمهرة، والدموع قد خرجت عن سيطرتها وأيادي النساء تربت على كتفها وتحضنها في محاولة لمواساتها. 

مرَّ أسبوع على يوم الدفن وبدأت جموع المعزيين تتلاشى مع الأيام، ولم يتبقى حول الأرملة إلا عائلتها وبعض الأقرباء

مرَّ شهر وعادت الأرملة إلى عملها، استنكر الجميع هذه الخطوة المعارضة للتقاليد:

ألم يكن بإمكانها أن تصبر حتى يمرّ أربعون يومًا

يا عيب الشوم… لم تنشف تربة زوجها

نساء آخر زمن

هكذا ردد المجتمع والعادات والكون، أما هي فقد كان عليها أن تحافظ على مصدر الرزق الوحيد للعائلة. كانت تذهب للعمل وتعود للبيت فقط.

مرّت سنة على وفاة زوجها، بدأت والدتها تفكر بالطريقة المناسبة لتطرح عليها الموضوع.

أنت لازلت في أول شبابك، والحياة أمامك

المعنى؟

يجب أن تفتحي عقلك وتتقبلي فكرة الزواج من جديد

هل هذه مزحة!! هل تعتقدين أنني سأتزوج وأترك أبنائي! 

استهجنت الأرملة كلام والدتها اللحوح، واستهجنه الجيران والأقارب والكرة الأرضية بأسرها! طلبت أن لا يُفتح هذا الموضوع مرّة أخرى، فهي ستعيش فقط لأبنائها…. وتستمر الحياة.

المشهد الثاني…

ياللمصيبة… كيف حدث هذا!حادث!

هكذا وصل خبر وفاة زوجته وحبيبته وأم أطفاله. 

بكاء مرّ يملئ المكان بينما تتوافد جموع المعزين اللذين ملؤا خيمة العزاء، يجلس الجميع بهيبة مطأطئين الرأس يتبادلون الأحاديث همسًا عن ذلك المتهور اللعين الذي تسبب بهذا الحادث المريع. 

هناك عند باب الخيمة التي يصدر منها تراتيل دينية معينة، يقف الزوج مصفرّ الوجه شارد الذهن، يفكر بشكل الحياة من بعدها وبأطفاله الذين لا يعلم إن كان وجوده كافيًا لتستمر حياتهم بشكل طبيعي. يقف في كلِّ مرّة يدخل أو يخرج أحدهم من الخيمة ويشكرهم على تقديم الواجب!

مرَّ أسبوعين وعاد الأرمل إلى عمله، كان من الطبيعي أن يتابع أعماله بالرغم من الألم الذي كان يعتصر قلبه كلما فكّر بما حصل. أيّد الجميع قرار عودته، فعليه أن يخرج من عزلته ويتنفس قليلًا لعلّه ينسى، فلا يزال عليه أن يعيل أطفاله ويؤمن مستقبلهم.

مرَّ شهرين وأقنعه أصدقاءه بالخروج معهم للترفيه عنه، كاد يختنق من المكوث في المنزل. وافق على مضد، لكنه سرعان ما عاد للخروج مع الشلّة.

مرّت ستة أشهر، وها هي والدته وأخوته والجيران والمجتمع والكرة الأرضية يقنعونه بضرورة الزواج مرّة أخرى، فالحي أبقى من الميت وهو رجل له متطلباته واحتياجاته وببساطة لن يقدر على أن يعتني بأطفاله وحيدًا.

رفض الفكرة بشدّة، واعترض لأنه لا يوجد في الكون مثل زوجته، ولن يكن هناك من هي قادرة على الإهتمام بأطفاله مثلها!

مرّت سنة وهاهي العروس تدخل البيت بعد عرس متواضع إحترامًا لروح المرحومة، وتستمر الحياة!

المشهد الثالث….. 

21 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page