top of page

المفتاح

Updated: Nov 8, 2020

يبدو لي أن لكل شيء في هذه الدنيا مفتاح، باب المنزل، باب السيارة، درج المكتب، الضوء و الحقيبة… حتى الحاسوب له مفتاح!

 لكل مفتاح شكل مختلف عن الآخر، وهذا هو ما يميز كل مفتاح، بعضها مسنن بأسنان كبيرة وصغيرة والبعض الآخر من غير أسنان، وبعضها مجرد قطعة تتحرك باتجاهين، وأخرى فقط أرقام. حتى البشر لهم مفاتيح لتصل إليهم، بعضهم مفتاح الوصول له هو الكلمة الطيبة، البعض بالعقل، الآخر بالعنف وبعضهم بالثقافة… وهكذا!

تعالوا نتخيل أن هذه المفاتيح وبطريقة سحرية توقفت عن العمل، أو لا وجود لها أصلاً! هذا قد يعيدنا إلى عصر مضى، لكننا نعيش في هذا العصر المتطور، فهل يمكننا أن نعيش بلا مفاتيح وأقفال؟

قررتُ أن أبحثَ عن معلومات عن أول مفتاح في التاريخ، ولأفعل ذلك عليَّ في البداية أن أفتح حاسوبي وأستخدم الرمز السري (المفتاح) وأبدأ بالبحث.

بدا لي أن أول من اخترع المفتاح هم الآشوريون، ثم طوره المصريون القدامى واستعملوه، لكن أول مفتاح معدني تم اختراعه كان من قبل الإنجليز. ثم تطورت المفاتيح لتصل إلى الأشكال التي نراها اليوم. مع عصر النهضة الإلكترونية والتكنولوجية، أصبحت المفاتيح افتراضية أو لأكون أكثر دقة، أصبحت غير مرئية، فببساطة، أصبح بإمكانك اليوم استخدام بصمة الإصبع أو العين، وحتى الجسد، كمفتاح بشري متحرك!

لنعود لخيالي، إذًا لنتخيل في عصرنا هذا ما الذي يمكن أن يحدث لو أن جميع المفاتيح، الملموسة والافتراضية والبشرية، لم تعد تعمل؟!

عادًة أُفضّل أن أطرح هذا النقاش على مجموعة من الأصحاب لنستمتع بالسفر معًا إلى خيالاتٍ مشتركة، ونضحك كثيرًا على ما يمكن للعقل تصوره. لكن بما أنني هنا وحدي ومعي قلم وورقة – نعم لا أزال أستخدم الطريقة التقليدية – سأشارككم خيالي.

لنبدأ بالمفاتيح الملموسة، أولًا البيوت، ستعود البيوت لتفتح أبوابها أمام العالم، لكن هنا سنواجه مشكلة نزاهة البشر، وهذا موضوع لن أناقشه شخصيًا لأننا لن نضطر لاستخدام المفتاح وحسب، بل الأقفال الحديدية وأكثر من ذلك!

لكن لننظر بإيجابية، سيكون جميلًا أن تذهبَ لزيارة أحد أصدقائك أو جارك وتجد الباب مفتوحًا مرحّبًا بك قبل مالك البيت! أليس هذا شعورًا مفرحًا؟ سيكون كل شيء مفتوحًا أمام الجميع، أدراجك وحاسوبك وسيارتك وبريدك الإلكتروني و.. و.. هل شعرتَ بالضيق؟ لا أخفي عنكم شعوري، في البداية بدا الأمر جميلًا  والحياة حلوة ووردية والعصافير تزقزق، لكن عندما اقتربتُ من الخصوصيات، انتابني شعور بالضيق والارتباك. أنا، كسائر البشر، أحب خصوصيتي إلى حدٍ ما وأفضّلُ أن أترك مسافة بيني وبين الآخر حتى أقرب الناس لي. يقول البعض أن هذا الشعور يتكون عندما يكون لدى الإنسان شيئًا يخبئه أو يخجل من البوحِ به أمام الآخرين، لكن بنظري أنا أعتبره احترام للخصوصية. لماذا؟ لأننا كبرنا في عصر لم يعد يشترك الأشخاص بأي شيء كالماضي، أصبح لي سيارتي، وغرفتي، وحاسوبي، ودرجي، وعلبةٌ أحتفظ بها بكل ذكرياتي الحميمة، بالرغم من أنني أعيش مع عائلتي. بينما في الماضي كان الجميع يعيش ويتشارك كل شيء… بكل ما في الكلمة من معنى!

أذكر أننا في الصيف، كنّا نذهب لزيارة بيت جدي وجدتي، وتكون العائلة الممتدة مجتمعة، وهي عائلة كبيرة، بحيث أنه لامجال للخصوصية إلا في مكانٍ واحد – وفهمكم كفاية – حتى أننا في الليل لم نكن نعلم من ينام بجانب من! وكل ما تراه هو فرش وأغطية وكما تقول أمي: دبروا حالكون!!

لكن، هل هذا نمط مقبول للعيش في هذا العصر، ولوقت طويل ومع تطوّر الحياة؟ سأخرج من ذكرياتي وأحلامي وأعود للواقع لأقول، بالتأكيد ليس مقبولاً..

لكلِّ عصرٍ مميزاته وخصوصيته التي يفرضها علينا حتى لو حاولنا التمسك بما تعلمناه، وأجمل ما يتركه لنا كلُّ عصر يمضي هو الذكريات لنعود ونعيشها أحيانًا ونتذكر جمالها ونضحك عليها. لكن بعد قليل سنعود لعصرنا الحالي، وسيأخذ كلٌ منا هاتفه الذكي، من آخر صيحات العصر، ويُدخلَ أرقامه السرية (المفتاح)، ويتابع سهرته مع أصدقائه الافتراضيين… وتستمر الحياة!


0 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page