كان يا ما كان في قديمِ الزمان… كان هُناك فتاةٌ آيةٌ في الجَمال، شعرُها أسودٌ طويلٌ كاللّيل، وعيناها زرقاوتان، ووجهُها أبيض كالثلج وقوامها رائعٌ لا عيبَ فيه! كانت هذهِ الفتاةُ طيبةٌ جدًا، وصوتُها جميلٌ كجدولِ مياهٍ جارٍ، ورسْمُها فتّان، وتصنعُ أشهى أنواعِ الطّعامِ والحلويات!
هذهِ الفتاةُ كانت مطيعةٌ جدًا وتقولُ دائمًا نعم لأمِّها وحاضر لوالدها، وتساعدُ الجميعَ وتعطفُ على المحتاجين. لكنَّ هذهِ الفتاة كانت فقيرةً وتساعدُ جدّتها المريضة، وتهتمُّ بإخوتها الصّغار!
لم تعجبكم هذه القصة؟ حسنًا لديَّ أُخرى أفضل.
كان يا ما كان في قديمِ الزمان…. كانَ هُناك شابٌ وسيمٌ جدًا، فارسٌ ماهرٌ، ويتقنُ كلَّ فنونِ القتال. كانَ هذا الشاب طويلًا، ذو قوامٍ ممشوق، أسمر اللون وعيناهُ سوداوتان كاللّيل، أنيقٌ جدًا وشهم. لا يَصعبُ عليهِ شيءٌ ولا يعرف الخوف. هذا الفارس كانَ غنيًا ويعيشُ في قصرٍ مع والديهِ الطيبين جدًا، و يفعلُ الخيرَ ويُحاربُ الشرَّ وينتصر دائمًا!
لم تُعجبكم هذه أيضًا؟ لنرى ما الذي يزعجكم بهذه القصص؟
في القصةِ الأولى، نجدُ وصفًا لآلهة الجمال، فتاةً لم ولن يُخلقَ مِثلها قلبًا وقالبًا. تحملُ صفاتًا ملائكية يتمناها الجميع! وقد تَكون أيُّها القارئُ العزيز قد رسمتَ صورتها في مخيلتك!
لكن، على مرِّ الأزمانِ والعصورِ والتاريخ، لم تتواجد كل هذه الصفات في أيةِ فتاةٍ، أو على الأقل لم نَسمع بها. فهذا الجَمَال لا يمكن أن يكون موجودًا بالحقيقةِ في أيِّ إنسانة! لذا، قد نتفق جميعًا مبدئيًا أنَّ وصفِ جمالها كانَ ضربًا من الخيال.
لنتحدث إذًا عن الأخلاق، من هذه الفتاة التي لا تقول لا لأحد، مقارنة بالواقع؟ وأيضًا تتصرّف بأخلاقٍ حميدة وتعتني بجدّتها المريضة – فلنتوقف عند هذه النقطة! لِمَ الجدّة دائمًا مريضة؟ وأين هي ابنتُها لتعتني بِها؟ عندما سمعت القصة، ألم تتخيّل جدّةً عجوزًة جدًا؟ في الماضي كانت النساءُ تُزوّج في سِنٍ مبكرةٍ جدًا، إذًا ما الذي يدعونا لنسجِ صورة الجدة بهذا الشكل ودون أن نُفكر؟ ثم إن كانت هذهِ الفتاة قد تعلّمتِ الأخلاقَ من أمها، أين هي هذه الأم؟ لِمَ لا تهتمُّ هي بالجدة والأبناء، وتترك هذهِ الفتاة تُتابع درسها أو هواياتها؟
أما القصّةُ الثانية… في أيامنا هذهِ، هل نَظرتم إلى نِسبةِ الشباب الذين لديهم “كرش” أو بطنٌ كبيرة؟ ما هذهِ الصفاتُ الخارقة والرائعة لهذا الشّاب؟ حتى لا أطيلَ الموضوعَ عليكم، سأكتفي بالقول أنَّ تحليلَ الجمالِ في قصةِ الفتاة ينطبقُ على الشّاب أيضًا!
بالإضافةِ إلى الجمال، فهوَ قويٌ وغني، ولا يخافُ أحدًا، وأخلاقه لا زالت حميدة؟! ويعيشُ مع أهلهِ الملائكة؟!
قد يُعارض البعض على هذا الطرح، لكن قد يوافِقُني الأكثرية على أن قِصةَ الفتاة الفقيرة والشّاب الفارس الغنيّ هيَ من القِصصِ التي سَمعناها ونحن صغارًا وطبعًا نُخبرها اليوم لأطفالنا.
لكن لنفكّر قليلًا ولو ضِمنَ محيط كلٍّ منّا، الأطفال الذين يسمعونَ تلكَ القصص، أوّلُ صدمةٍ لهم هي ما يرونه على الحقيقة حولهم. لكن قد يُفكرون، ربما نَلتقي بِهذه الأشخاص عندما نكبر!
وعندما يكبرون ويكبرُ معهم حلمُ الّلقاء، ستنتظرُ الفتاة فارسَ الأحلام الغني الذي سيحلُّ لها مشكلةِ فقرها ويأخُذها لتعيشَ في عالمِ القصورِ والمناسباتِ والحفلاتِ التي حُرمت منها. وسيكبر الفتى وهو يحلمُ بالجميلةِ الرائعة المهذبة، التي ستعتني بهِ وبأمهِ وجدتهِ والعائلة الممتدة! وستُغنّي لهم وترسمَهُم وتطبخ أشهى الأطباق!
أحلامُ الطفولة تتلاشى عند أوّل حبٍ لأشخاصٍ عاديين، وأوّل لقاءٍ للأهلِ المُحبين، وأوّل شِجارٍ!
أنا لا أقول أن هذا خطأ ولا أعطي فكرة سلبية عن الواقع… أنا أصف الواقع! أنا أصف الحياة اليومية التي نعيشها، بينما يظلّ البعض يعيش بأحلامه!
والآن لنكتبَ قصةَ ما قبلَ النومِ سويًا…
كان يا ما كان في قديمِ الزمان، كانَ هُناكَ عالمُ فضاء، مخترعة، بطلة سباحة، كاتبة، ربة منزل، طيار، عاملٌ نشيط…
Comments