لا تبكِ … الرجال لا تبكِ، وأنتَ رَجل!
كان عمرهُ أربعةَ أعوامٍ عندما وبّخهُ والدهُ على بُكائهِ. كانت أول مرّةٍ يَسمعُ بهذا التعبير، وآخر مرّة يبكي فيها أمام العلَن.
لم يكنِ الوحيد في العائلة، كانَ لديهِ أخوةٌ وأخوات، لكن يبدو أنَّ الإختيار قد وقَعَ عليه ليكونَ رجلًا صغيرًا، ويحمل حملًا لم يكن حملهُ أبدًا!
لا تبكِ …. أنتَ رَجل!
تَجتمع العائلة الُممتدة في المناسبات دائمًا، ويُخصصُ مكان للأطفال بعيدًا عن طاولةِ الكبار وتحتَ مراقبةٍ منهم.
لا تجلس هُناك مع الأطفال، أنتَ شاب كبير، تعالَ إجلس هُنا بجانبي يابَطل!
هكذا قالَ والده، وكانت أول مرّة يتعرفُ بها على جَلساتِ الكبار وكلامهم وضَحكهم، وآخر مرة يودّعُ فيها طاولةَ الصغار!
لا تجلس مع الصّغار … أنتَ رَجل!
يلعبُ الأطفال في الحارة لعبةَ “الغميضة”، يتراكضونَ ويضحكون ويستمتعونَ بالنشاطاتِ الصيفيّة المختلفة. أما هو فيذهب مع والدهِ إلى العمل، ليتعلّم، فاللعب ليسَ للرجال!
لا تلعب مع الأطفال … أنتَ رَجل!
تمضي الأيام، ويكبر الأطفال ليصبحوا في مرحلةِ أوّل عشقٍ، وأول إعجابٍ وأول نظرةِ حب. الجميع يسهرُ على أنغام عبد الحليم حافظ، ويجدونَ طريقًة لإيصالِ رسائل الحبِ والإعجاب بالسّر. تتلون خدودُ الصبايا ويمتلئ المكان بالتنهدات!
لا تجعل فتاة تتحكم بقلبك، كُن قاسيًا وقويًا واهتم بعملك. هذه كانت وصيّة والدهِ، فالعشقُ للضعفاء أمّا الرجال فيكبرون ويتزوجون من يريدون، ويخلّفوا الأطفال وهكذا!
لا تعشق … أنتَ رَجل!
يأتي يوم الزفاف، لقد اختارَ لهُ عقلهُ زوجًة صالحة! يبدو أنها ستكون أمًا مثالية، وطاهيًة ماهرة، ومدبرةَ منزل، ومربيًة للأطفال وزوجًة مطيعة! وهذا ما يجب أن يختارهُ الرجال، قال والدهُ وهو يربّت على كتفهِ ويبارك لهُ بالزواج.
الزواج للرجال … وأنتَ رَجل!
يأتي خبُر وفاةِ والدهِ كالصاعقة، يبكيهِ الجميع يومَ الدّفن ويلبسونَ الأسود. أمّا هو، لا يبكِ ولا يندب ولا يشعر بشيء لأنهُ لا يعلم ما يفعل! كلّ ما فعلهُ هو التأمل بذلكَ القبر، فوالدهُ لم يقل لهُ ما يفعلهُ الرجال عندَ الموت!!
Comments