“هيا صارت الساعة التاسعة والنصف، أسرعي علينا التحرك الآن!” قالت الأم وهي تستعجل ابنتها التي كانت تتحرك بتململ ولا يزال النعس يغطي جفنيها. تبدو الأم على عجلة من أمرها وكأنها في سباق مع الزمن، أخذت حقيبة يدها وتأكدت أن المبلغ المطلوب موجود بالإضافة لبطاقات الائتمان التي اضطرت لاستخدام جميع الحيل لإقناع زوجها بالتخلي عنها ليوم واحد فقط! قفزت الأم مع ابنتها إلى السيارة، التي جهزها السائق منذ ساعة تقريبا بعد تلقي إيعازات سيدة المنزل واتصالاتها كل عشرة دقائق لتتأكد أنها جاهزة ولتسمع صوت المحرك وكأنها سيارة فيراري تتحضر للسباق!
تستطيع رؤية العرق يتجمع على جبين السائق تحت الضغط النفسي، انطلق بسرعة بعد أن أخذ الأمر بالتحرك فورا وبدأ مشوار النهار الذي لا يعلم عند أية ساعة سينتهي! يحاور السائق السيارات التي بدت وكأنها تسابقه في شوارع المدينة ولنفس الأسباب التي يعلمها جميع السائقين ضمنيا، يحاول أن يثبت لسيدة المنزل أنه يقود بالسرعة المطلوبة وينتقل من خط إلى آخر متفادياً الوقوف وراء السيارات الأخرى، ويستعمل الزمور بسبب أو بغير سبب فقط ليخفف من حرارة توتر الأم، الذي جعل الحرارة داخل السيارة أعلى من خارجها! وصلت السيارة إلى الموقف وقد بدت المواقف مزدحمة مقارنة بأيام أخرى وبهذا الوقت من الصباح! طارت الأم وهي تجر ابنتها التي فضّلت أخذ قيلولة في السيارة لتفادي غضب الأم وصياحها على السائق المسكين. عند البوابة الرئيسية تجمع عدد كبير من النساء من جميع الأعمار والجنسيات، وقد تزاحمن عند المدخل وفوقهن هالة من الضباب الصادر عن تنفس ساخن يصدر من صدورهن وهن يتزاحمن والشرار يتطاير من عيونهن نحو حارس المركز التجاري، الذي بدأ بترديد صلوات في قلبه عالما أنه قد يقضي دهساً تحت تدافع أقدام تلك النسوة! دقت الساعة العاشرة وكأنها ساعة الفرج للسيدات اللاتي وقفن بوضعية استعداد لسماع طلقة الإنطلاق. مع تزايد التزاحم طلب الحارس بعض المساعدة من زملائه لانه ببساطة لم يجرؤ على فتح الباب، خاصة بعد أن انتقلت هالة الضباب من فوق روؤس النسوة إلى البوابة الرئيسية. فُتحت البوابات وتدافعت السيدات بسباق همجي شبه منظم مع تباعد الحراس الذين كانوا يعلمون انه القرار الصائب آملين أن ينتهي اليوم على خير. تتحرك النسوة بسرعة وخفة محترفين، هن يعلمن جيدا مالذي سيتم شراءه من ثياب العيد وحلويات وهدايا وأشياء أخرى قد لا تكون على القائمة الطويلة الافتراضية. تحركت الأم وهي لاتزال تجر ابنتها التي لا تبدو مهتمة أبداً بهذا السباق، وهي تعطيها تعليمات واضحة: تحركي بسرعة، لا تنظري إلى الوجوه حتى لا نتقابل مع أحد نعرفه ونضطر للوقوف للسلام عليهم، وإن رآك أحد أعملي نفسك مشغولة… أو تعلمي، أتركي الأمر لي! تبدأ رحلة البحث عن الثياب ودائماً ما يصدف التقاء يدان لامرأتان على نفس القطعة ويبدأ التحدي، تعلو وجوههن الابتسامة المبتذلة التي تخفي خلفها شرارة صراع على تلك القطعة، ويبقى الوضع هكذا حتى تسحب إحداهن القطعة بقوة وتتنازل الأخرى لكن فقط هذه المرة وهي تحلف أنها لن تتنازل في المرة القادمة، طبعاً ضمنياً! في اليوم السابق يتم، ودون اتفاق واضح، عقد اجتماعات للعاملين في جميع المحلات التجارية. يتم شرح ما قد يحصل في اليوم التالي بناءاً على خبرات سابقة، ويطلب من الجميع أخذ الحيطة والحذر من نوبات الغضب الغير متوقعة، والمشاجرات على قطع معينة وكم الإعتراضات الهائلة عند خط صندوق الدفع، الذي قد يتصل بخط الإنتظار لتجريب الملابس! على الجميع التحلي بأعصاب فولاذية ودم بارد في الوقت ذاته! رغم محاولات الباعة بتهدئة الوضع والموسيقى الكلاسيكية التي تسمع القليل منها وسط زحمة المتسوقين، إلا أن كمية الإدرينالين المنتشرة في المركز التجاري مرتفعة لدرجة أن بالإمكان توليد طاقة إضافية من تلك الطاقات المتفجرة. بعد صراع دام ساعات، انتهت الأم من شراء الثياب وتوجهت إلى قسم الأحذية، وقد بدى لها أن الأحذية تتطاير فوق رأسها بين الباعة والزبائن، وكل ما تسمعه هو: نمرة ٤٠.. نمرة ٣٧! ولم تستيقظ ابنتها إلا بعد أن تلقّت ضربة من حذاء طائش كان في طريقه نحو البائع ليبدله قبل أن تنفجر به المشترية لكنه أخطأ الهدف! دخلت الأم صراع الأحذية وهي تصيح: نمرة ٢٧، ٣١، ٣٥، ٣٩ من نفس اللون ونفس الموديل حتى توفر على نفسها عناء البحث عن أشكال أخرى والتذمر من قِبل باقي أطفالها فيما بعد، وهي تنظر إلى ابنتها التي علمت أن فكرة أصطحابها كانت فكرة سيئة! وعادت الأحذية تتطاير وسط حركة الباعة التي تضمنت بعض القفز وتمارين القرفصاء لتفادي حذاء أُلقي عن طريق الخطأ. عند محل الحلويات، كان قد قرر جميع الباعة عدم تقديم عينات للتذوق لأنهم وببساطة سيخسرون نصف البضاعة دون مقابل، وهذا طبعا أثار غضب بعض النساء أما البعض الآخر فقد كُنّ يعلمن جيداً مالذي يجب شراؤه من خبرات سابقة! دخلت الأم ووجدت لنفسها متسع لتقف بشكل جانبي وتصارع لطلب ما تريد وسط ضغط حرارة أجساد النساء حولها وكأنها في فرن، وكل ما فكرت فيه هو تنظيم التنفس وسط هذا الزحام القاتل. كان الباعة يصيحون على الطلبية وفي معظم الأحيان تضطر الشارية للوقوف في الخلف لتلقي طلبيتها من بعيد وكأنها في ملعب بيسبول! وأخيراً صاح البائع على طلبية الأم التي أخذت عدة خطوات للخلف وانحنت قليلاً لتلقي الضربة… أعني العلب التي استطاعت رؤيتها تتحرك فوق رؤوس النساء وكأنهن يجلسن في صفوف مشجعي كرة القدم. ينتهي هذا المشهد عند الساعة الحادية عشر ليلاً ، ولم يتبقى أمامهن إلا ساعة واحدة لشراء ما تبقى من أغراض من هنا وهناك وقد بدت الحركة أبطئ بسبب وجود الأكياس، لكن التوتر يزداد مع مرور الوقت ووسط تحرك حراس المركز نحو الأبواب لإغلاقها عند الساعة الثانية عشر. تبدأ أبواب المحال المصنوعة بشكل عرضي بالهبوط من الأعلى، ويبدء الإعلان عن إغلاق المركز التجاري ولكن النساء لازلن يتحركن وكأن الإعلان لا يخصهن! وتنزل الأبواب أكثر وتجد آخر سيدة وهي تحاول حشر نفسها للخروج وسط تعليقات وألقاب تلقيها على أصحاب المحل الذين لا يقدّرون مدى الضغط الذي تعيشه! يغلق الحراس المركز وسط تزاحم وتعليقات النسوة وتقفز الأم مع ابنتها داخل السيارة محاولة إيجاد زاوية وسط أكياس التسوق، وهي تنظر إلى السائق الذي كان حاضراً منذ ساعة على الأقل لانه يعلم الحالة النفسية التي ستكون عليها سيدة المنزل. أطلقت أمر التحرك فوراً، وهي تخفي إبتسامة الرضى بعد أن جلبت جميع الأغراض المطلوبة وغير المطلوبة وصرفت جميع النقود الموجودة وغير الموجودة باستعمال بطاقات الإئتمان. وصلت إلى المنزل وعلامات النصر تظهر على وجهها، لتجد زوجها في حالة إغماء من كمية الرسائل النصية التي وصلته من البنك معلنة بداية العيد!
Comments